سورة الكهف - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الكهف)


        


قوله تعالى: {أفحسب الذين كفروا} أي: أفَظَنَّ المشركون {أن يتخذوا عبادي} في هؤلاء العباد ثلاثة أقوال.
أحدها: أنهم الشياطين، قاله ابن عباس.
والثاني: الأصنام، قاله مقاتل.
والثالث: الملائكة والمسيح وعزير وسائر المعبودات من دونه، قاله أبو سليمان الدمشقي.
قوله تعالى: {من دوني} فتح هذه الياء نافع، وأبو عمرو. وجواب الاستفهام في هذه الآية محذوف، وفي تقديره قولان:
أحدهما: أفحسبوا أن يتخذوهم أولياء، كلا بل هم أعداءٌ لهم يتبرؤون منهم.
والثاني: أن يتخذوهم أولياء ولا أغضبُ ولا أعاقُبهم. وروى أبان عن عاصم، وزيد عن يعقوب: {أَفَحَسْبُ} بتسكين السين وضم الباء، وهي قراءة علي عليه السلام، وابن عباس، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وعكرمة، وابن يعمر، وابن محيصن؛ ومعناها: أفيكفيهم أن يتخذوهم أولياء؟.
فأما النُّزُل ففيه قولان:
أحدهما: أنه ما يُهيَّأَ للضيف والعسكر، قاله ابن قتيبة.
والثاني: أنه المنزل، قاله الزجاج.


قوله تعالى: {قل هل نُنَبِّئكم بالأخسرين أعمالاً} فيهم قولان:
أحدهما: أنهم القسِّيسون والرهبان، قاله علي عليه السلام، والضحاك.
والثاني: اليهود والنصارى، قاله سعد بن أبي وقاص.
قوله تعالى: {أعمالاً} منصوب على التمييز، لأنه لما قال: {بالأخسرين} كان ذلك مبهماً لا يدل على ما خسروه، فبيَّن ذلك في أي نوع وقع.
قوله تعالى: {الذين ضل سعيهم} أي: بطل عملهم واجتهادهم في الدنيا، وهم يظنون أنهم محسنون بأفعالهم، فرؤساؤهم يعلمون الصحيح، ويؤثرون الباطل لبقاء رئاستهم، وأتباعُهم مقلِّدون بغير دليل. {أولئك الذين كفروا بآيات ربِّهم} جحدوا دلائل توحيده، وكفروا بالبعث والجزاء، وذلك أنهم بكفرهم برسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن، صاروا كافرين بهذه الأشياء {فحبطت أعمالهم} أي: بطل اجتهادهم، لأنه خلا عن الإِيمان {فلا نُقيم لهم يوم القيامة وزناً} وقرأ ابن مسعود، والجحدري: {فلا يُقيم} بالياء.
وفي معناه ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه إِنما يثقل الميزان بالطاعة، وإِنما توزن الحسنات والسيئات، والكافر لا طاعة له.
والثاني: أن المعنى: لا نُقيم لهم قَدْراً. قال ابن الأعرابي في تفسير هذه الآية: يقال: ما لفلان عندنا وزن، أي: قَدْر، لخسَّته. فالمعنى: أنهم لا يُعتدُّ بهم، ولا يكون لهم عند الله قدر ولا منزلة. وقد روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يؤتى بالرجل الطويل الأكول الشروب فلا يزن جناح بعوضة، اقرؤوا إِن شئتم: {فلا نُقيم لهم يوم القيامة وزنا}». والثالث: أنه قال: {فلا نقيم لهم} لأن الوزن عليهم لا لهم، ذكره ابن الأنباري.
قوله تعالى: {ذلك جزاؤهم} أي: الأمر ذلك الذي ذكرت من بطلان عملهم وخِسَّة قدرهم، ثم ابتدأ فقال: {جزاؤهم جهنم}، وقيل: المعنى: ذلك التصغير لهم، وجزاؤهم جهنم، فأضمرت واو الحال.
قوله تعالى: {بما كفروا} أي: بكفرهم واتخاذهم {آياتي} التي أنزلتها {ورُسُلي هزواً} أي: مهزوءاً به.


قوله تعالى: {كانت لهم جنات الفردوس} قال ابن الأنباري: كانت لهم في علم الله قبل أن يُخلَقوا. وروى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «جِنانُ الفردوس أربع، ثنتان من ذهب حليتهما وآنيتهما وما فيهما، وثنتان من فضة حليتهما وآنيتهما وما فيها، وليس بين القوم وبين أن ينظروا إِلى ربهم إِلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن» وروى عبادة بن الصامت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الجنة مائة درجة، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، الفردوس أعلاها، ومنها تفجَّر أنهار الجنة، فإذا سألتم الله تعالى فاسألوه الفردوس» قال أبو أمامة: الفردوس سرّة الجنة. قال مجاهد: الفردوس: البستان بالرومية. وقال كعب، والضحاك: {جنات الفردوس}: جنات الأعناب. قال الكلبي، والفراء: الفردوس: البستان الذي فيه الكرم. وقال المبرد: الفردوس فيما سمعت من كلام العرب: الشجر المتلف، والأغلب عليه العنب. وقال ثعلب: كل بستان يحوّط عليه فهو فردوس، قال عبد الله بن رواحة:
في جنانِ الفردوسِ ليسَ يخافو *** ن خروجاً عنها ولا تحويلا
وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي قال: قال الزجاج: الفردوس أصله رومي أعرب، وهو البستان، كذلك جاء في التفسير، وقد قيل: الفردوس تعرفه العرب، وتسمي الموضع الذي فيه كرم: فردوساً. وقال أهل اللغة: الفردوس مذكَّر، وإِنما أنث في قوله تعالى: {يَرِثون الفردوس هم فيها خالدون} [المؤمنون: 11] لأنه عنى به الجنة. وقال الزجاج: وقيل: الفردوس: الأودية التي تنبت ضروباً من النبت، وقيل: هو بالرومية منقول إِلى لفظ العربية، قال: والفردوس أيضاً بالسريانية كذا لفظه: فردوس، قال: ولم نجده في أشعار العرب إِلا في شعر حسان، وحقيقته أنه البستان الذي يجمع كل ما يكون في البساتين، لأنه عند أهل كل لغة كذلك، وبيت حسان:
فَإِنِّ ثَوَابَ اللهِ كلَّ مُوَحِّدٍ *** جِنَانٌ مِنَ الْفِرْدَوْسِ فيهَا يُخَلَّدِ
وقال ابن الكلبي باسناده: الفردوس: البستان بلغة الروم، وقال الفراء: وهو عربي أيضاً، والعرب تسمي البستان الذي فيه الكرم فردوساً. وقال السدي: الفردوس أصله بالنبطية فرداسَا. وقال عبد الله بن الحارث: الفردوس: الأعناب. وقد شرحنا معنى قوله: {نُزُلاً} آنفاً.
قوله تعالى: {لا يبغون عنها حِوَلاً} قال الزجاج: لا يريدون عنها تحوُّلاً، يقال: قد حال من مكانه حِوَلاً، كما قالوا في المصادر: صَغُر صِغرَاً، وعَظُم عِظَماً، وعادَني حُبُّها عِوَداً؛ قال: وقد قيل أيضاً: إِن الحِوَل: الحِيلة، فيكون المعنى: لا يحتالون مَنْزِلاً غيرها.
فإن قيل: قد عُلم أن الجنة كثيرة الخير، فما وجه مدحها بأنهم لايبغون عنها حِوَلاً؟
فالجواب: أن الإِنسان قد يجد في الدار الأنيقة معنى لا يوافقه، فيحب أن ينتقل إِلى دار أخرى، وقد يملّ، والجنة على خلاف ذلك.

5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12